الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
مِن أسماء الله الحسنى الجبّار:
أيها الإخوة الكرام؛ مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم الجبّار، وقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في موضع واحد، وهو قوله تعالى:
﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)﴾
أيها الإخوة؛ وقد ورد في السنة، في صحيح مسلم
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: أخذُ الجبَّارُ سماواتِهِ، وأرضيهِ بيدِهِ، وقبضَ يدَهُ فجعلَ يقبضُها، ويبسطُها، ثمَّ يقولُ: أنا الجبَّارُ، أنا الملِكُ، أينَ الجبَّارونَ؟ أينَ المتَكَبِّرونَ؟ قالَ: ويتمايلُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، عن يمينِهِ، وعن شمالِهِ، حتَّى نظرتُ إلى المنبرِ يتحرَّكُ مِن أسفلِ شيءٍ منهُ، حتَّى إنِّي لأقولُ: أساقطٌ هوَ برسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ. ))
أيها الإخوة؛ من معاني هذا الاسم:
1 ـ الله عز وجل متصف بكثرة جبره:
الجبّار صيغة مبالغة مِن جابر، جابر جبّار، غافر غفّار، رازق رزّاق، صيغة مبالغة من جابر، وجابر الموصوف بالجبر، والجبر من جبر، يجبر، والجبر إصلاح الشيء بالقهر، الله عز وجل جبَر الفقير أي أغناه، وجبر الخاسر أي عوّضه، وجبر المريض أي شفاه، وجبره على كذا أي أكرهه على كذا، الله عز وجل مُتّصف بكثرة جبره.
2 ـ الجبّار العالي على خلقه والذي تنفذ مشيئته في خلقه:
الجبّار العالي على خلقه، والجبّار الذي تنفذ مشيئته في خلقه، الله عز وجل لا غالب لأمره:
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41)﴾
أحياناً يصدر حكم من محكمة الصلح الأولى، الذي حُكِم عليه يستأنف، يصدر حكم من محكمة الاستئناف، الذي حُكِم عليه يستأنف بمحكمة النقض، لا غالب لأمره، و﴿لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ﴾ فما شاءَ اللهُ كانَ، وما لم يشأْ لم يكن، أنت مع من؟ أنت مع الجبار، أنت مع الذي إرادته نافذة، أنت مع الغالب على أمره.
﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)﴾
﴿ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)﴾
أنت كإنسان هل تستطيع أن تُفعِّل كل إرادتك؟ الله عز وجل:
﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ فما شاءَ اللهُ كانَ، وما لم يشأْ لم يكن،
(( عن عبد الله بن عباس: أنَّ رجلًا قال للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ما شاء اللهُ وشئتَ، فقال لهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : أجعلتني للهِ عدلًا بل ما شاء اللهُ وحدَهُ. ))
[ أخرجه النسائي في ((الكبرى)) خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح ]
خطيب قال أمام النبي عليه الصلاة والسلام: ما شاء الله وشئت، فقال عليه الصلاة والسلام: بئس الخطيب أنت، جعلتني لله نداً؟!
ما شاءَ اللهُ كانَ، وما لم يشأْ لم يكن، فإذا كنت مع الجبّار فأنت القوي، إذا كنت مع الجبّار فالمستقبل لك، إذا كنت مع الجبّار فأنت المنتصر، إذا كنت مع الجبّار تدور الأيام، ولا تستقر إلا على رفعة شأنك، مشيئة الله نافذة في كل خلقه، جبّار، مشيتئه نافذة ولا تنفذ فيه مشيئة أحد، يُجبِر كل أحد، ولا يُجبره أحد.
الجبّار هو الجبروت، كمالك الملك والملكوت، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( عن عوف بن مالك: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة. ))
4 ـ اسم الجبَّار من أسماء التعظيم والتنزيه:
اسم الجبّار أيها الإخوة؛ من أسماء التعظيم، هناك اسم ذات، وهناك اسم صفة، وهناك اسم فعل، وهناك اسم تنزيه، وهناك اسم تعظيم، فالجبّار من أسماء التعظيم،
(( عن أبي هريرة: الكبْرِياءُ ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذَفْتُهُ في النار. ))
لكن أحياناً لله عز وجل في خلقه امتحانات صعبة، من هذه الامتحانات أنه يُقوِّي أعداءه، فيفعلون ما يقولون، فيتوهم ضعيف الإيمان أنهم آلهة، فينبطحون أمامهم، والحقيقة أن الله لا يسمح لأحد أن يأخذ اسم الجبّار، ولا اسم القهّار، ولا اسم العزيز، لابد من أن يقصمه الله، ولهذا قال الله عز وجل:
﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)﴾
كيف أن للرجال أعماراً للأمم أعماراً، فأية أمة طغت، وبغت، وتجبرت لابدّ من أن يقصمها الله في وقت ما.
أيها الإخوة؛ اسم الجبّار من أسماء التعظيم، وهو في حقّ الله من كمالاته، من دلائل عظمته، من قوته، لكن لو قلنا: فلان جبّار، هذا اسم نقص، صفة نقص في الإنسان، يقول الله عز وجل:
﴿ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)﴾
لأن العبد عبد، والرب رب، العبد من شأنه الافتقار، حتى الأنبياء هم قمم البشر كانوا:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)﴾
أي مفتقرون في وجودهم إلى إمداد الله لهم، بل مفتقرون في تأمين طعامهم إلى المشي في الأسواق، إذاً هم عبيد، وعباد، لكن الله سبحانه وتعالى هو رب العباد، والعبيد شيء، والرب شيء آخر.
معنى الجبَّار عند الجبرية من أفسدِ المعاني:
أيها الإخوة؛ إلا أن الجبّار عند فئة الجبرية، وهي فئة عقيدتها فاسدة، تتصور أو تتوهم أن الله يُجبر عباده على أفعالهم، وأن الإنسان كريشة في مهب الريح.
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له: إيّاك إياك أن تبتل بالماء
هذه العقيدة الفاسدة تتناقض مع كمال الله، فكيف يُجبر الله عبداً من عباده على معصية ثم يحاسبه عليها؟ هذه العقيدة عقيدة أهل الشرك، قال تعالى:
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)﴾
لو ألغينا حرية الاختيار في الإنسان لألغينا الثواب والعقاب، ألغينا الجنة والنار، ألغينا حمل الأمانة، ألغينا التكليف، ألغينا كل شيء.
﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا(29)﴾
الإنسان مخيّر، قال تعالى:
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)﴾
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)﴾
أيها الإخوة؛
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)﴾
أصل التكليف أنك مخير، ولو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً.
تروي الروايات أن شارب خمر جيء به إلى سيدنا عمر بن الخطاب، فقال: أقيموا عليه الحد، فقال هذا العاصي: يا أمير المؤمنين إن الله قدّر عليّ ذلك، فقال: أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال: ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار، أنت مخير.
إذاً: عقيدة الجبرية، وهي فئة زاغت عقيدتها، وتوهمت أن الله يُجبِر عباده على أفعالهم، ثم يحاسبهم عليها، وهذا شيء لا يُقبَل بحقّ إنسان.
5 ـ العالي الذي لا يُنال جانبه:
أيها الإخوة؛ لو دخلنا في التفاصيل، الجبّار العالي الذي لا يُنال، لا يُنَال جانبه، لا تستطيع أن تغلبه، العالي الذي لا يُنال، في المعاجم نقول: نخلة جبارة أي لا يستطيع الإنسان قطف ثمارها، ونقول: ناقة جبارة أي يصعب ركوبها، المعنى الأول الدقيق التفصيلي العالي الذي لا يُنال، في القرآن الكريم:
﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22)﴾
أي أقوياء لا يهزمون، إنسان جبّار هذه صفة ذم، الله جبّار هذه صفة مدح، إنسان جبّار أي مُتعاظم، يتعاظم، يتصنع العظمة، متكبر، لا ينقاد إلى أحد، أما الله جبّار لا تناله الأفكار، ولا تحيط به الأبصار، ولا يصل إلى كنهه عقل من العقول، إذاً هو من أسماء التعظيم، ومن أسماء التنزيه معاً.
المؤمن قوي عزيز لأنه مع الجبَّار:
الإنسان بفطرته يحب أن يكون مع القوي، القوة تجذب، القوة تلفت النظر، الناس يرمقون بأعينهم القوي، فالمؤمن أحد أسباب قوته أنه مُعتز بالقوي، أحد أسباب قوته أن كل مَن حوله، ومَن فوقه، ومَن تحته بيد الله، وأنه مع الله، وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ أي سبب قوة المؤمن أنه متوكل على الله، إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، وسبب قوة المؤمن أنه لا يخضع، ولا ينبطح، ولا يستكين، ولا يذل، لأنه مع القوي.
﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾
ما أحوج المسلمين اليوم إلى هذه المعاني، أن يعتزوا بربهم، أن يصطلحوا معه، أن يستقيموا على أمره، أن يُقبلوا عليه، عندئذٍ يصغُر عدوهم في نظرهم، وعندئذٍ لا يُخَيب الله أملهم،
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً». ))
فليظن بي ما شاء.
﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)﴾
﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)﴾
قصص ثلاثة الأمل بالنجاة صفر:
إخواننا الكرام؛ قصص ثلاثة الأمل بالنجاة صفر، أي فرعون بقوته، ببأسه، بجبروته، بحقده، بأسلحته، بغدره، بقسوة قلبه، وراء شرذمة قليلة أمامها البحر، وفرعون من ورائها: ﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ*قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ كان مع الجبّار، والجبّار هو القهّار.
سيدنا يونس في بطن الحوت، في ظلمة بطن الحوت، وفي ظلمة البحر، وفي ظلمة الليل:
﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾
سيدنا يوسف وُضِع في الجب ليموت فصار عزيز مصر، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ .
6 ـ الجبّار المصلح للأمور:
أيها الإخوة؛ الجبّار بالمعنى الثاني المصلح للأمور، العظم كُسر جبره، أي أن يلتئم العظم هذا من جبر العظم، الله عز وجل يصلح أمور عباده، يرأب الصدع، ويلم الشمل، ويُغني الفقير، ويجبر الكسير، ويعطي المحروم، ويرفع الذليل، ماذا يقول التاجر بعد أن يشتري البضاعة؟ يقول: يا جبّار، لها معنى الجبّار محبَّب للنفس، الله جبّار، جبّار المظلوم، جبّار الفقير، جبّار المريض، جبّار المحروم، جبّار من يعاني من مشكلة، دققوا:
(( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ. ))
لأنه جبّار، والتعبير الشائع جبّار الخواطر، وما عُبِد الله في الأرض بأعظم من جبر الخواطر.
7 ـ من معاني الجبّار أجبره أي أكرهه على ما أراد:
أيها الإخوة؛ والمعنى الثالث من معاني الجبار أي أجبره، أي أكرهه على ما أراد، أنت تريد، وأنا أريد، والله يفعل ما يريد، عبدي أنت تريد، وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد، جبّار، أي فرعون ماذا قال؟
﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)﴾
وقال:
﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)﴾
وفرعون تروي بعض الروايات أنه رأى في المنام أن طفلاً من بني إسرائيل سيقضي على ملكه، القضية سهلة جداً، أمر بذبح أبناء بني إسرائيل، من دون استثناء، وأية مولِّدة لا تُخبر عن مولود ذكر تُقتل مكانه، لكن الله جبّار، فهذا الطفل الذي سيقضي على مُلكه ربّاه في قصره.
قوم إبراهيم وضعوه في النار.
﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)﴾
النبي في الغار، يا رسول الله لقد رأونا، قال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما! مرة أحد الطغاة في أوروبا الشرقية ألقى خطاباً، قال: هذا الصفصاف إذا حمل الأجاص فأنا سأتنحى عن منصبي، فنُحّي عن منصبه، ووضع بعض أفراد شعبه الأجاص على شجر الصفصاف، الله جبّار، لا يتجبر على خلق الله إلا أحمق، إلا غبي.
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾
قصة رمزية: أن إنساناً يجلس مع زوجته ويأكل الدجاج، طُرق الباب، فإذا بسائل، همت الزوجة أن تعطيه من هذا الطعام طعاماً يأكله، فنهرها زوجها ووبخها، قال: اطرديه، فطردته، ساءت العلاقة بينها وبينه إلى أن طلقها، ثم جاء من يخطبها-والقصة مؤثرة جداً-هي جالسة مع الزوج الثاني تأكل الدجاج، طُرِق الباب، ذهبت لتفتح فإذا بسائل، فلما رأته اضطربت، قال: من الطارق؟ قالت: سائل، قال: من؟ قالت: زوجي الأول، قال: أتدرين من أنا؟ أنا السائل الأول، الله جبّار، إياك أن تقول كلمة كبيرة.
8 ـ الجبّار من لا يرقى إليه وهم:
أيها الإخوة؛ الجبّار من لا يرقى إليه وهم، كيفما تصورت الله فهو بخلاف ذلك، كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، جبار لا يرقى إليه وهم، أي الكيان الشرقي الذي رفع شعار لا إله، وبقي سبعين عاماً يبث هذه العقيدة في الأرض، ويملك من القنابل النووية ما تكفي لتدمير الأرض، كيف تداعى من الداخل؟ بلا حرب، وبلا أي شيء، الله جبّار، الله عز وجل يقصم الجبابرة، أنا مالك الملوك وملك الملوك، من لا يرقى إليه وهم، ولا يَشرف عليه فهم، ولا يلحقه إدراك، ينفذ أمره في كل شيء، ولا ينفذ فيه أمر شيء، الجبّار مَن أصلح الأشياء بلا احوجاج، وأمر بالطاعة بلا احتياج،
(( عن أبي ذر الغفاري عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أنَّهُ قالَ: يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ؛ ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يا عِبَادِي، إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ. وفي روايةٍ: إنِّي حَرَّمْتُ علَى نَفْسِي الظُّلْمَ وعلَى عِبَادِي، فلا تَظَالَمُوا. ))
إن أردت أن تكون قوياً فكن عبداً للجبّار، هناك عبد الجبّار، إن أردت أن تكون قوياً فكن عبداً للجبّار، كن مع الجبّار، وإن أردت أن تكون قريباً من الله فاجبر الكثير، وهذا موضوع الدرس القادم حول اسم الجبّار.
الملف مدقق